الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد :
ضبط الظاهرة :
إن الاحتفال بعيد الأم من المناسبات التي ابتدعها الغرب , فالمفكرون الأوروبيون وجدوا الأبناء ينسون أمهاتهم , ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن , فأرادوا أن يجعلوا يوماً في السنة ليذكّروا الأبناء بأمهاتهم .
آراء أهل العلم :
اختلف الفقهاء المعاصرون حول ( عيد الأم ) فمنعه فريق من العلماء لأن هذا تشبه بالغرب ولسنا في حاجة إلى مثل هذا التشبه , فمنهم الدكتور القرضاوي إذ يقول : ليس هناك ضرورة لهذا العيد عندنا , ولكن عندنا عيد للأم في كل لحظة من لحظاتها في بيتها , فالإنسان منا ساعة خروجه من البيت يقبّل يد أمه , ويطلب دعواتها , ويزورها بالهدايا دائماً , ولكننا أخذنا ذلك على أنه منقبة من مناقب الغرب , في حين أنه مثلبة في أوروبا يترك الولد أمه تعيش في ملجأ وأبوه يعيش في مكان لا يدري عنه شيئاً , وليس في حياتنا مثل ذلك , فالإسلام أمرنا بالتكاتف وعلى قدر حاجة الأبوين رتب الإسلام الحقوق ( أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك ) . [ والحديث متفق عليه ] .
وأجازه آخرون شريطة ألا يكون البر بالأم ورعايتها محصوراً في هذا اليوم وأن لا يعتبر عيداً من أعياد المسلمين لأنه لم يشرع لنا إلا عيدان : عيد الفطر وعيد الأضحى , وأن لا يكون تقليداً لأهل الكفر , منهم الشيخ فيصل مولوي ( نائب رئيس المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء ) حيث قال : تكريم الأم مطلوب على مدار السنة كلها , واحترامها وطلب مرضاتها وخدمتها وسائر أعمال البر مطلوب طلباً مؤكداً في كتاب الله وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم , مما أصبح مشهوراً على ألسنة جميع الناس ... والحرج الشرعي يكون في اعتبار هذا اليوم عيداً بالمعنى الشرعي .
ويكون كذلك في حصر تكريم الأم بهذا اليوم , فإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج في تكريم الأم في يوم الأم , إلا عند الذين يعتبرون ذلك من قبيل تقليد غير المسلمين والتشبه بهم , ونحن نعتقد أن تقليد غير المسلمين والتشبه بهم لا يجوز فيما يكون من خصوصياتهم ولا أصل له في شرعنا , أما تكريم الأم فله أصل شرعي معروف وبالتالي فإن هذا الأمر لا يعتبر من التشبه الذي نُهينا عنه .
ويقول الدكتور عبد الفتاح عاشور ( من علماء الأزهر ) : الاحتفال بأيام فيها تكريم للناس , أو إحياء ذكرى طيبة لم يقل أحد بأن هذا احتفال ديني , أو عيد من أعياد المسلمين , ولكنه فرصة لإبداء المشاعر الطيبة نحو من أسدوا لنا معروفاً , ومن ذلك ما يعرف بالاحتفال بيوم الأم , أو بعيد الأم , فإن الأم لها منزلة خاصة في دين الله , بل في كل دين , ولذلك يجب أن تكرم وأن تحترم وأن يحتفل بها , فلو اخترنا يوماً من أيام السنة يظهر الأبناء مشاعرهم الطيبة نحو أمهم وآباهم لما كان في ذلك مانع شرعي , وليس في هذا تقليد للغرب أو للشرق , فنحن نحتفل بهذا اليوم بما لا يخالف شرع الله , بل بالعكس نحن ننفذ ما أمر الله به من بر الوالدين والأم على وجه الخصوص , فليس في هذا مشابهة ولا تقليد لأحد .
ويقول الدكتور محمد إسماعيل بكر : إن عيد الأم هو من بدع العادات لا من بدع العبادات , وبدع العادات لا يأمر بها الإسلام ولا ينهى عنها إلا إذا كانت تتصل بالدين من قريب أو من بعيد , فإذا كانت هذه العادات تُعبّر عن الوفاء والاعتراف بالجميل وتدعو إلى البر والإحسان إلى من يستحق البر والإحسان كالأم والأب ومن في حكمهما كالجدة والجد , فإن الإسلام يبارك هذه العادات ويقرها , أما إذا كانت هذه العادات تعبر عن الضد من ذلك أو يترتب على فعلها ما يعيبه الإسلام ونهى عنه كالإسراف والتبذير والعبث واللهو واللعب والتفاخر , فإن الإسلام ينهى عنه , ويُحذر منه , وقد كان للعرب عادات بعضها أقرها الإسلام على ما هو عليه وبعضها نهى عنها وحذر منها , وبعضها أقره مع التعديل .
على ذلك نقول أنه لا يجوز اعتبار هذه المناسبة عيداً من أعياد المسلمين , فبذلك تصبح بدعة في الدين والبدعة المحرمة هي التي تؤدي إلى زيادة في الدين أو تغيير في السنن , عندئذٍ تكون هذه البدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار كما جاء في الحديث الصحيح , وقد عرّف الشاطبي البدعة في كتاب ( الاعتصام 1/36 ) فقال : " هي طريقة في الدين مخترعة , تضاهي الشريعة , يقصد بالسلوك عليها التعبد لله سبحانه وتعالى " . فالبدعة طريقة مخترعة في الدين يظن من رآها أنها طريقة مشروعة , أما العادات فليست طريقة مخترعة في الدين , بل هي أمر من أمور الدنيا تُرك لنا توسعة علينا , فإن أدت هذه الطريقة المعتادة إلى الإخلال بسنة من السنن المشروعة فهي بدعة , وعيد الأم لا يؤدي إلى إخلال بالسنن المشروعة , وبالتالي لا يُعد من البدع , وعليه نرى جواز الاحتفاء بالأم في مثل هذا اليوم بشروط :
1- ألا يعتبر عيداً .
2- ألا يُراد منه التشبه بالكافرين الذين يقصرون تكريم الأم على هذا اليوم .
3- لا بد من التحذير من المخالفات الشرعية والأدبية والإسراف والتبذير التي ترافق الاحتفال بمثل هذه المناسبة ومن الفعاليات التي تقوم بها المدارس وإشراك الأمهات بألعاب تهريجية من الركض والتمايل والتقصع والاختلاط والموسيقى والأغاني الماجنة وإحضار المهرّجين والمهرّجات , كل هذه المعاصي على شرف الأم , وهل يكون تكريمها بمعصية الله تعالى ؟ إنما التكريم يكون ببرها والإحسان لها على مدار السنة , وأما إذا خلت هذه الاحتفالات من المخالفات الشرعية وكانت في حدود الأدب والتكريم الصحيح فلا مانع من مشاركة الأمهات في مثل هذا اليوم عرفاناً بفضلها .
في المقابل أن لا ننسى تكريم الأب كذلك والإحسان إليه , فالبر والإحسان في النصوص الشرعية لهما – وإن كان حق الأم أعظم – .
والله تعالى أعلم